محاولة لفهم المصطلح القرآني "وسوسة الشيطان"
محاولة لفهم المصطلح القرآني "وسوسة الشيطان"
يخيل لي بأن "الشيطان" أو كبيرهم أبليس هو مدير شركة أعلانات ضخمة . يروج لبضاعته بشدة . هذا هو كل مالديه. مثلما يعيد مدراء شركات الاعلانات تغليف الشي المعروف, حتي ولو كان شيئا تافها, ثم يقومون بوضعه في أناء جذاب و الادعاء والمبالغة في الادعاء بفوائد منتوجهم , مما يجعل كثير من الناس يشترون أشياء لايحتاجونها أصلا , كذلك يفعل إبليس. فمثلا اول صفقة اعلانية كاذبة لابليس كانت كما بينها القرآن في قوله تعالي: "فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى." هنا كان إدعائه الكاذب بأن بضاعته التي يروج لها وهي "فعل الاكل" من شجرة موجودة أصلا بالجنة , ستجعل أبينا آدم خالدا لايموت و ستعطيه ملكا أبديا. المعلن لايجبرك علي شراء البضاعة (أو تأييده إن كانت بضاعته المعروضة "موقف سياسي/أخلاقي" أو فكرة ما) وذلك بوضع يده في جيبك واخذ نقودك , ولكنه يغريك للقيام بفعل الشراء بتعديد محاسن بضاعته و يشمل ذلك المصطلح القرآني "تحريف الكلم عن مواضعه" أو تسمية الأشياء بغير أسماءها . فمثلا دعاة حرية الإجهاض - قتل/وأد الأجنة بأمريكا يسمون أنفسهم "دعاة حرية الإختيار" . هكذا يعلنون عن إسم لوبيهم القوي . دعاة حرية الإختيار إسم جذاب و أظنه أكثر جاذبية من إسم " دعاة حرية قتل الأجَنة" . يستخدم القرآن تعبير "وسوسة" لوصف كيفية نقل الشيطان لمقترحاته لضحيته من البشر . الوسوسة هي كالايحاء , رسالة غير مرئية و غير مسموعة موجهة لمركز اتخاذ القرار بالمخ . يستسخدم القرآن أيضا لفظ "يوحي" لوصف التواصل ثنائي القطب (أرسال/استقبال) بين الأنسان و الشيطان : "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِيّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ"
كيف يتم ذلك التواصل؟ الأنسان في كل لحظات فراغه ( واحيانا في غير ذلك) يسرح عقله في حديث متواصل مع نفسه, نسميه "حبل الأفكار" (ليه فلان عمل لي كدا , بكرة حأعمل ...الخ ...الخ) . هذا الحديث المتواصل مع النفس هو أول مايسعي كل الروحانيين في كل الديانات (بوذيين , هندوس, رهابان مسيحيين, اليهود الذين يمارسون الكبالا , متصوفة المسلمين) لقطعه أو السيطرة عليه. يفعل البوذيون و الهندوس ذلك بممارسة التأمل عدة مرات في
اليوم , وخلال جلسة التأمل يقومون بتكرار كلمة واحدة , يسمونها المونترا, باستمرار . سنوات متواصلة من تكرار المونترا يجعلهم قادرين علي السيطرة علي حبل أفكارهم . زهاد اليهود و المسيحيين و المسلمين يسعون للسيطرة علي حبل أفكارهم بتكرار أدعية و تسبيحات معينة. أعتقد والله أعلم بأن الشيطان عنده المقدرة علي قراءة بعض تلك الافكار الواردة في حبل أفكارنا و أستخدامها لمعرفة ماتريده نفسنا ألأمارة بالسوء . لذا فيصبح منطقيا جدا علي كل من يريد أن يترقي روحيا (من رهبان بوذيين, هندوس, رهبان مسيحيين, ممارسي الكبالا من اليهود و متصوفة المسلمين) أن يجعل السيطرة علي ذلك النهر المتدفق من حديث النفس الداخلي همه الأول والا فأن كتابه يكون مكشوفا للعدو الشيطاني.
كما وأن موجات الراديو والتلفاز و المايكرويف تكون حولنا ولكنا لانراها أو نسمعها الا أذا أتينا بجهاز قادر علي ذلك , فكذلك ربما يتم بث أفكارنا للكون الخارجي , ومن لديه المقدرة أو الجهاز يستطيع نظريا أستقبال الافكار و فك تشفيرها و معرفتها . هل هذا مايفعله الشيطان ؟ عند كتابتي قبل عدة أشهر لما قلته أعلاه من أن افكار الانسان ربما يكون هنالك من يستطيع أستقبالها وقراءتها, م يكن لدي اي دليل لإدعائي هذا , ولكني بعد ذلك عثرت علي مقال بصفحة التكنلوجيا بموقع البي بي سي :عنوان المقال "تحكُم عن طريق العقل: قمت بقيادة سيارة بواسطة التفكير و المقال يتحدث عن تجربة تجريها الجامعة الحرة ببرلين بغرض قيادة السيارة بواسطة التوجيه العقلي فقط . غرض المشروع-التجربة الذي تقوم به الجامعة هو تطوير نظام يمكن المعاقين من قيادة سيارة أو كرسي متحرك و توجيه الكرسي-السيارة يمنة و يسرة فقط عن طريق التفكير . يتم تركيب أجهزة استشعار حول رأٍس سائق السيارة بغرض نقل ترددات مخه لجهاز استقبال بالسيارة. المشروع مازال في أطواره الأولي ولكن مايهمني فيه أن أفكار الانسان يمكن أستقبالها بواسطة أجهزة أخري . فهل ذلك مايفعله الشيطان و جنده ؟
أختتم هذا الموضوع بالتفكر في الآية الكريمة: " قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين " . الشركات و المنظمات في الغرب عندها مايعرف بmission statement وهي جملة مختصرة توضح بدقة أهداف الشركة أو المنظمة وكيفية تحقيق تلك الاهداف . في ألآية الكريمة أعلاه وضح الشيطان بدقة شديدة و بأختصار ماهي الmission statement تبعه , وكيف سيعمل علي تحقيقها . سراط الله المستقيم(عدا التوحيد و الشعائر الدينية المقبولة من الله) يشمل عمل الخير بكل أنواعه: مثل الاصلاح بين الناس , التصدق علي الفقراء , كفالة الأيتام والأرامل, التكفل بعلاج المرضي الفقراء, محاربة الطاغوت ...الخ .سعيد الدارين هو من يكون سيره دوما علي سراط الله المستقيم . لكن معظمنا تتقاطع دروب حياتهم أحيانا مع السراط المستقيم ونسير فيه برهة من الزمن وذلك عندما نفعل أي عمل يحبه الله , فأغلب
الناس بغض النظر عن دينهم أو لادينهم يفعلون أحيانا أعمالا تقع داخل "سراط الله المستقيم" . وهذا مايزعج الشيطان. لماذا يكمن الشيطان للأنسان في "سراط الله المستقيم" ؟ الشيطان كائن يوظف وقته و جهده بطريقة فعالة تضمن له تحقيق هدفه في في هذه الدنيا والذي حدده بدقة في ألآية الكريمة أعلاه . لذا فهو لايضيع وقته في أي عمل يعمله الانسان و لايقع ضمن سراط الله المستقيم (ليس بعمل خير او عمل يحبه الله) . مايزعج الشيطان و يجعله يبذل مجهودا و وقتا هو محاولة أغواء الانسان وصرفه عن فعل أي عمل يدخل في نطاق "سراط الله المستقيم" . لذا فهو يكمن داخل هذا السراط لمناوشة من تتقاطع دروبهم مع السراط . فمثلا من ينوي الانفاق في الخير يوسوس له الا يفعل أو أن يقتر - فربما يحتاج للمال الذي سينفقه لاحقا (الشيطان يعدكم الفقر ). يستخدم القرآن الكريم تعبير "أتباع خطوات الشيطان" لوصف حال من يسير خلف الشيطان (حِجِل بالرجِل كما يقول التعبير السوداني). فهولاء لايحتاج الشيطان لبذل أي مجهود لأفسادهم فهم جاهزين ( ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر). الاية الكريمة " قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين
الاية اعلاه تدل علي عداوة الشيطان للأنسان بغض النظر عن دينه او لادينه , فهل نعتبر "الـتأملMeditation" مثله مثل الذِكر , من الاسلحة المضادة التي وهبها الله للأنسان لصد وسوسة الشيطان ؟ مجرد تساؤل
Comments