ومضات قرانية حول منعطفات و انجازات صاغت تطور الانسان

 

ومضات قرانية حول منعطفات و انجازات صاغت تطور الانسان!



لست من المغرمين بتركيز بعض الدعاة المسلمين علي مايسمونه بالاعجاز العلمي في القرآن الكريم . فالقرآن في البدء كتاب هداية لدين يهدي للتي هي أقوم , و يتطلب ذلك الايمان بالغيب الذي لايحتاج الي دليل سوي الايمان بأن الله علي كل شيء قدير .

كما وأن اعجاز القرآن حسب قول العالم الفرنسي موريس بوكاي في كتابه ( التوراة , الأنجبل, القرآن و العلم ) لاينحصر فيما احتواه من حقائق علمية بل ايضا فيما لم يحتويه مما كان سائد و مسلما به قي عصره . فالكاتب موريس بوكاي و بصفته طبيبا , لفت نظره عدم ذكر القرآن لاي من طرق التطبيب و العلاج التي كانت سائدة في عصر نزول الوحي قي معظم اتحاء العالم والتي ثبت عدم جدواها لاحقا في العصر الحديث , مثل الكي بالنار و الحجامة ...الخ , ويذكر بوكاي لقارئه الغربي غير المسلم بأن الوصفة الطبية الوحيدة المذكورة في القرآن هي العسل و التي مازال الطب الي يومنا هذا يؤكد ماذكره القرآن في أن فيه شفاء للناس .

الحقائق العلمية لاتأتي في آيات مفصلة في القرآن الكريم , بل تأتي في ومضات سريعة يتم فهمها مع تقدم العلم. فمثلا قوله تعالي عن قسمه بمواقع النجوم " وأنه لقسم لو تعلمون عظيم " نفهمه نحن اليوم قهما أفضل مما فهمه الصحابه , فنحن اليوم نعلم أن المساقه بين بعض النجوم (مواقع النجوم) ربما تكون مليارات السنين الضوئية وهذا مما لم يقهمه مسلمو القرن السابع الميلادي .

غرضي من هذه الخاطرة القصيرة هي النظر و التفكر في كيفية ذكر القرآن الكريم لبعض المنعطفات والانجازات التي صاغت حياة البشرية . يتفق علماء الانثربولجيا بأن أهم ماجعل الانسان يتفوق علي غيره من الرئيسيات Primates, هي:
-
مقدرته اللغوية (مقدرته علي التخاطب الصوتي , استخدام الرموز , التصنيف ومن ثم الكتابة في مرحلة لاحقة ) ,
-
اكتشافه لطرق اسنخدام النار و تطويعه لها في طبخ غذائه.
-
استئناسه للدواب .
-
وقبل كل ذلك تفرد البشر , علي غيرهم بدفنهم لموتاهم .

كل مااكتشفه و اخترعه الانسان حتي عصرنا الحاضر يأتي في مرتبة أقل اهمية من تعلم لغة للحديث/و الترميز/التصنيف/والكتابة , اكتشاف النار و استئناس الدواب (و تعلم الزراعة في مرحلة تالية).

لنتفكر كيف تطرق القرآن الكريم لهذه المنعطفات الهامة التي صاغت حياة البشرية . فتعلم دفن الموتي أتي ذكره في ألآية 31 من سورة المائدة وهي تتناول ماحدث للجيل ألآول من البشر "فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ " .

يؤكد القرأن أن البشر عرف النار و تعلم طرق استخدامها اولا بملاحظته للنار التي تشتعل في الاشجار "الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونََ " . نحن اليوم , عن طريق اجهزة الاعلام , نعلم و نري صورا لظاهرة طبيعية معروفة في كل مناطق العالم التي توجد بها الغابات الا و هي حرائق الغابات التي تشتعل طبيعيا بفعل البرق .. لا أعتقد أن هذه الظاهرة كان يعلمها سكان الجزيرة العربية القاحلة في القرن السابع الميلادي . يوافق علماء الانثربلوجيا ماذكره القرآن بأن الانسان الاول أكتشف و طوع النار عن طريق استخدامه لنار حرائق الغابات اولا . يقول صاحب الوكبيديا في أهمية اكتشاف النار للبشر (لقد كان تحكم البشر الأوائل في النيران بمثابة نقطة تحول في الجانب الثقافي للتطور البشري مما سمح للبشر طهي الطعام والحصول على التدفئة والحماية. كما سمح إشعال النيران كذلك بتوسيع أنشطة الإنسان إلى الساعات الباردة أثناء الليل، كما وفر له الحماية ضد الحيوانات المفترسة والحشرات.)
بل أن دارون صاحب نظرية التطور و أصل الانواع يقول بأن اكتشاف النار هو أهم اكتشاف للبشر و لايسبقه الا تعلم استخدام اللغة .


(وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ( 31 ) قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ( 32 ) قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون( 33 ) )

-
الاية تشير الي أن آدم و بنيه سيكون لهم ميزة تفضيلية علي الملائكة والجن .
-
هذه الميزة التفضيلية هي نتاج علم علمه الله لادم وسيكون مغروسا او كما يقال بالانجليزية build-in في ذريته .
-
اول تعبير عن هذه الميزة تم ابرازه بصيغة صوتية (فلما أنبأهم ).
-
يمكن فهم المعني ب "الاسماء كلها" أن ذلك هو المقدرة علي التصنيف (أول من سمعته يقول بذلك هو الدكتور محمد شحرور) . فمثلا كل مارأه وما لم يره الانسان من أي مخلوق يمشي علي اربع يمكن وضعه في صنف الحيوان . لو لم يكن للأنسان المقدرة علي تصنيف الاشياء لتغيرت نظرتنا للعالم و لاصبح العالم اكثر فوضوية (فمثلا كل طائر نراه بلون مختلف و حجم مختلف كنا سنظنه كائنا جديدا ). ولا أعتقد أن معظم العلوم الانسانية و الطبيعية كانت ستنشأ لو لم يكن للبشر المقدرة علي تصنيف الاشياء .

وقد اقترب بعض المفسرين القدامي من هذا الفهم للأية الكريمة (رغم عدم استخدامهم المباشر لكلمة "تصنيف" ) فقد قال الضحاك عن ابن عباس : ( وعلم آدم الأسماء كلها ) قال : هي هذه الأسماء التي يتعارف [ ص: 223 ] بها الناس : إنسان ، ودابة ، وسماء ، وأرض ، وسهل ، وبحر ، وجمل ، وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها و قال مجاهد:, .وعلم آدم الأسماء كلها) قال : علمه اسم كل دابة ، وكل طير ، وكل شيء. (https://islamweb.net/ar/library/inde...k_no=49&flag=1)


اذن مايمكن استخلاصه هو أن الآيات الكريمة تشير بوضوح الي أن استخدام اللغة و مايتبعها من مقدرة علي التصنيف و استخدام الرموز هي من أهم الميزات التي جعلت البشر يتفوقون علي غيرهم من مخلوقات الله , وهذا مايقوله حتي اعتي الملاحدة من علماء الطبيعيات .

ذكرت أعلاه بأن استئناس الدواب هو من اهم المنعطفات التي ساهمت في تطور الانسان الاول , فكيف تطرق القرآن الكريم لهذا الأمر الهام في تطور البشر ؟

القرآن الكريم به كثير مما يدل علي اهمية استئناس الانسان للدواب رغم عدم وجود كلمة "اسئناس" بالمعني الذي نستخدمه لها اليوم (اي بمعني "التَّدْجِينُ" to domesticate) . فهناك سورة كاملة باسم الانعام في القرآن الكريم , كما وان أطول سورة في القرآن هي سورة البقرة المسماة علي أهم حيوان استأنسه الانسان في كل انحاء المعمورة .

في اية ذات دلالة كبيرة ورد ذكر "انزال" الانعام بعد خلق الانسان وذلك في قوله تعالي في ألاية السادسة من سورة الزمر "خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ. “ . من يراجع كتب التفسير يلاحظ حيرة المفسرين في فهم معني "أنزل" الواردة بخصوص الانعام , فكلمة الانزال استخدمت في القرآن الكريم ايضا بخصوص معدن الحديد " وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ."

لعل المقصود بالانزال هنا هو "جعلها قابلة للاسئناس , للتطويع , للسيطرة بواسطة الانسان" . و للتشديد علي أهمية الانعام في تطور حياة البشر نجد استخدام تعبير " عَمِلَتْ أَيْدِينَا " في الاية الكريمة بخصوص خلق الانعام " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ" علما بأن هذا التعبير لم يرد في القرآن الكريم الا في أية ثانية فقط حول خلق الانسان وذلك في ألاية 76 من سورة "ص" (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )

ماقلته في هذا المقال ليس بتفسير لآيات القرآن , فقامتي تقصر عن فعل ذلك بل هو تفكر في بعض آيات القرآن الكريم و محاولة مني لفهم مااستعصي علي فهمه وقد اردت أن اشرككم في هذا التفكر .


Comments

Anonymous said…
سلاما استاذ حسن وجزاك الله خيرا على الاجتهاد فى التفسير. تابعت مقالك فى الراكوبة عن تفسير اية انزال الحديد وقد وجدت تفسيرا يشير الى انزال الحديد فهو ليس معدنا اصيلا فى الارض وانما جاء اليها لاحقا
حسين التهامى

Popular posts from this blog

كيف أفهمني هرم أبراهام ماسلو للأحتياجات الانسانية سورة قريش!

فهم مغاير لمعني كلمة "هيت" في الآية الكريمة: "و قالت هيت لك" .. بقلم: حسين عبدالجليل