فيما يعول عليه !

فيما يعول عليه !

قرأت فيما مضي قولا معبرا لاحد أدباء نيجيريا , نسيت ان كان القائل هو الكاتب المسرحي وولي سوينكا الحائز علي جائزة نوبل لللآداب أم كان هو تشينو أتشيبي الروائي وصاحب رواية "الاشياء تتداعي " . القول البليغ الذي أذكر معناه بتصرف هو (أن الاسد لايمشي في الغابة صارخا كل يوم أنا أسد! أنا أسد! , ولكنه فقط يتصرف كالاسد " . كان قوله ذاك ردا علي الضجيج الكبير الذي أثاره دعاه حركة "الزنوجة" الادبية وهي حركة أدبية اشتهرت فيما بين الثلاثينات و السبعينات من القرن المنصرم بين الكتاب السود باوروبا وامريكا .

الغرض من هذه الرمية (كما يقول الاستاذ عبداللطيف البوني) هو أنه من الافضل أن تمارس ماتدعو اليه , بدلا من أن يكون جل همك هو أكثار الحديث عن جمال و أفضلية ما تؤمن به . أعتقد أن ذلك هو مربط الفرس فيما نعانيه من أزمة أخلاقية و تخلف حضاري في معظم البلاد التي يقطن غالبيتها مسلمون . اذ أن أغلبهم يكثر من الحديث عن الاسلام دون ممارسته في معظم نواحي حياته العملية .

المسلم يجب أن يهتم اولا بما سيدخله الجنة من فعل و قول قبل اهتمامه بما سيدخل الآخرين النار . فالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يكون مؤثرا لو كان ألآمر/الناهي يمارس عمليا مايدعو الناس له, فالله سبحانه و تعالي يقول في محكم تنزيله "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ " , فعليك نفسك اولا , ثم أهلك , ثم بعد ذلك بقية خلق الله . ذلك هو المنطق المتبع في كل نواحي الحياة العملية , فمن الارشادات التي يسمعها المسافر في أي سفرية بالطائرة في ارشادات السلامه هو أنه في حالة الطواري عليك أن تضع قناع الاوكسجين في وجهك أولا قبل أن تساعد أي شخص آخر ولو كان طفلك لوضع قناعه .

هنالك آيات قرانية كثيرة تذم الذين يقولون مالايفعلون في دين الله , اذكر منها "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" , (كبر مقتا عند الله ان تقولوا مالا تفعلون) , بل وصف من يفعل ذلك بالحمار الذي يحمل اسفار ,اي يحمل كتبا من العلم لايستفيد منها.

كل من عاش جزء من طفولته او شبابه في عقد الستينات او السبعينات من القرن الماضي يلاحظ مضاعفة كبيرة في عدد رواد المساجد حاليا مقارنه بذاك الزمان , وهذا شيء جميل فالله يحب أن تُعمّر مساجده , ولكن ما أن تخرج من المسجد حتي تلاحظ أن الشوارع والاسواق المحيطة بالمسجد حاليا اكثر قذارة مما كانت عليه في الماضي , فتفس الناس الذين يعمرون المسجد هم ممن يرمون القاذورات و الاذي بالطرقات- رغم أن الاسلام يعتبر أماطة الاذي عن الطريق شعبة من شعب الايمان , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الإيمان بضع وستون أو سبعون شعبة ، أعلاها لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق .)

أذن ماالحل في هذا التناقض الكبير والهوة الواسعة بين مايدعو اليه الاسلام وبين مايمارسه مسلمو اليوم ؟

أعتقد أن الحل يبدأ بتقويم الذات بمعني أن يتبع كل منا الحكمة التي تقول "كن أنت التغيير الذي الذي تدعو الناس اليه " . فالنفعل (بدلا من أن نقول فقط) مايحبه الله . وقد سهل علينا المصطفي عليه أفضل الصلاة و السلام ذلك في حديثه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله " . ماأجمل و أبلغ هذا الحديث! فكل ماينفع الناس, هو صدقة , و يحبه الله . فمن كان عنده فضل مال و لو قليل فليتصدق به- واولي القربي و اليتامي لهم الافضلية . كما يمكن لمن لامال له بأن يتصدق بوقته وذلك بالزيارة او بالاتصال الهاتفي لتفقد حال اولي القربي (خاصة كبار السن) و المرضي , و حتي من يشتكي من الوحدة و الاكتئاب من اصدقائه و معارفه . من كان عنده علم يمكن ان يفيد ابناء و بنات جيرانه من التلاميذ الفقراء الذين لامقدرة لهم لدفع مبالغ كبيرة لدروس خصوصية . فيمكنه أن يتقرب الي الله بتدريس و ارشاد هؤلاء التلميذات و التلاميذ, في وقت فراغه .

أنواع صدقات المال , الوقت , العلم , الجهد ….الخ كثيرة و لاتعد و لاتحصي , وللتدليل علي أهمية الصدقة والانفاق مما رزقنا الله فلنتفكر في الآية الكريمة التي توضح ماهو أول شيء سيفعله الشخص الميت الذي يسأل الله الرجعة للدنيا (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ )

Comments

Popular posts from this blog

كيف أفهمني هرم أبراهام ماسلو للأحتياجات الانسانية سورة قريش!

فهم مغاير لمعني كلمة "هيت" في الآية الكريمة: "و قالت هيت لك" .. بقلم: حسين عبدالجليل