خواطر حول التطابق بين بعض أقوال المتصوفة وأقوال غربيون مقتربون من الموت
خواطر حول التطابق بين بعض أقوال المتصوفة وأقوال غربيون مقتربون من الموت
من قراءآتي لبعض أقوال المتصوفة المسلمين وكتابات بعض الامريكيين التي تحكي عن تجربة اقترابهم من الموت لاحظت بعض الشبه في وصفهم لتلك التجارب الروحية الذاتية .
لنبدأ اولا بتعريف ماهي تجربة الاقتراب من الموت , أو مايسميها الغربيون Near Death Experience NDE. انقل التعريف أدناه من مقال سابق لي بالراكوبة بعنوان ( مقاربة إسلامية لظاهرة : "تجربة الإقتراب من الموت" )
https://www.alrakoba.net/articles-ac...w-id-10967.htm
(….تعريف هذه الظاهرة باختصار هو أن بعض المرضي الذين تتوقف قلوبهم عن الخفقان – لعدة دقائق - نتيجة لسكتة قلبية او سكتة دماغية - عندما يعودون للوعي بعد موتهم السريري و اقترابهم الشديد من الموت فان بعضهم يحكي عن وقائع غريبة حصلت لهم – في عالم غير عالمنا هذا – خلال الفترة التي سجل الاطباء فيها توقف قلوبهم او أدمغتهم عن الحياة .
هنالك قاسم مشترك في كثير من الوقائع التي يرويها أؤلائك الذين مروا بهذه التجربة بغض النظر عن جنسياتهم او خلفياتهم الدينية أو التعليمية أو الثقافية و يشمل ذلك مايلي:
1- شعور المريض بانه قد خرج من جسده حيث ينظر لجسده المسجى من مكان
أعلى و يري و يسمع الاطباء الذين يلتفون حول الجسد .
2- شعور المريض بانه قد مات ولكنه يدهش لتوقد ذهنه و وعيه الشديد بما حوله و
وضوح الرؤيا لديه لدرجة تفوق ماكان عليه خلال حياته .
3- مروره بعد ذلك بنفق نوراني ضيق .
4- مشاهدته وتواصله مع بعض من مات من أقرباؤه .
5- مقابلته لكائن أو كائنات نورانية ( هنا يفسر كل مريض هذا الكائن أو الكائنات – التي لم تخبرهم من هي - حسب أعتقادهم الديني فبعض المسيحيين يرون فيها السيد المسيح و آخرون يفسرونها بانها ملائكة- أشباح- ملاك حارس ....الخ – في كتاب قرأته لمسلمة شيعية كندية مرت بتلك التجربة كان تفسيرها لتلك الكائنات النورانية بانهم هم الائمة – آل البيت) .
6- يقوم كائن نوراني بعرض كل أعمال المتوفي عليه و هناك ينتفي الاحساس بالوقت حيث تعرض للمرء – في شكل شريط سينمائي - كل أعماله الدنيوية بتفصيل شديد و يري ويحس أثر عمله ( ان كان صالحا أو طالحا) علي الاخرين . يتم التاكيد و التشديد على أهمية العمل الصالح و أن كل عمل يفعله المرء مهما كان تافها فانه يسجل و يعرض عليه .
7- يتم اخبار المريض بان ساعة وفاته الحقيقية لم تحن بعد لذا فعليه العودة لجسده
هنا يذكر كثير ممن خاضوا تلك التجربة بانهم كانوا يقاومون العودة و يفضلون البقاء
في الجانب الآخر حيث كانوا يشعرون بسعادة لاتوصف .
8- يعاود القلب أو الدماغ المتعطل العمل – يعود الوعي للمريض .
9- ينتفي الخوف من الموت تماما عند من مروا بتلك التجربة حيث انهم يصبحون موقنيين تماما بان الموت ماهو الا بداية لمرحلة أخري من الوجود .
يواجه كل من مر بتجربة الاقتراب من الموت مأزق غريب . فكلهم بالتقريب يعبرون بضروب شتي عن عدم مقدرتهم علي التعبير لغويا عما شاهدوه وحضروه في ذلك العالم الغيبي , وجدت أن الصوفي يشاركهم في تلك الحيرة . حيرة كيف توصف عالم الملكوت اللامتناهي باللغة المكبلة بالحروف و بالقواعد؟
العارف بالله المتصوف محمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري يوصف مأزق اللغة ذات الحروف في التعبير عما تراه النفوس في عالم الملكوت بعبارته الشاعرية , التي احتفي بها كثيرا ادونيس وحيرانه من شعراء الحداثة , الا وهي قول النفري (كلما أتسعت الرؤية ضاقت العِبارة).
أيضا يقول اصحاب تلك التجربة بأنهم بعد عودتهم لعالمنا هذا اصبحوا يرون الخالق في كل شيئ , فقد أستمعت لأحدهم في يوتيوب بعد أن حكي تجربته قال: (الآن عندما أنظر لأي شخص فانا أري انعكاس المقدس فيه) , تلك الاقوال تتطابق تماما مع ماقاله ابن عطاء الله السكندري , في حكمه العطائية ( من عرف الحق شهده في كل شي) و ماقاله الحلاج :
ولا هممت بشرب الماء من عطش ** إلا رَأَيْتُ خيالاً منك في الكـــأس
يحكي كثير من مروا بتلك التجربة بأنهم خلال تلك اللحظات أصبحوا فجاة وخلال مدة الجربة علي دراية تامة بكم هائل من المعلومات , ففي كتابه "الرحلة للدار Journey Home يقول الكاتب فيليب بيرمان Phillip L. Berman علي لسان فيليس أتوتر في صفحة 117 (في تلك الحالة كنت علي علم تام بكل كلمة تكلمتها في حياتي , بكل فعل فعلته , بكل تأثير نتج عن قولي , فعلي , أو تفكيري علي كل من كان حولي آنذاك , حتي علي المارة في الشارع). نفس الشيئ يقوله الشيخ عبدالقادر الجيلاني في قصيدته "الوسيلة" عن كيف مكنته لحظة حضرة و قرب من الله من أن يعلم , في حالة الحضرة تلك , يعلم عدد نبت الارض و عدد حبيبات الرمل في الارض كلها:
وَقَفْتُ بِبَابِ اللهِ وَحْدِي مُوَحِّدَاً ***وَنُودِيتُ يَا جِيلاَنِيَ ادْخُلْ لِحَضْرتِي
وَنُوديتُ يَا جِيلاَنِيَ ادْخُلْ وَلا تَخفْ *** عُطيتُ اللوا مِنْ قَبْلِ أَهْلِ الحَقِيقَةِ
ذِرَاعِيَ مِنْ فَوْقِ السَّمَواتِ كُلَّهَا*** وَمِنْ تَحْتِ بَطْنِ الحُوتِ أَمْدَدْتُ رَاحَتي
وَأَعْلَمُ نَبْتَ الأَرضِ كَمْ هُوَ نَبْتَةٌ *** وَأَعْلَمُ رَمْلَ الأَرْضِ عَدَّاً لِرَمْلَةِ
أختم حديثي بالقول بأن تجارب الاقتراب من الموت والكشف الصوفي هي تجارب ذاتية , بل هي تجارب موغلة في الذاتية لايستوعبها الا من عاشها , ومايصلنا منها هو محاولة لوصف مالايوصف . يمكننا أخذ العبرة من هذه التجارب ونحن نعيش حياتنا اليومية في غفلة .واختم قولي بما أورده الطبيب الامريكي جورج رتشي في كتابه "العودة من الغد" , فبعد ان حكي تجربة اقترابه من الموت و ماشاهده هناك قال موجها حديثه لعزيزه القارئ :
( أنا لاأطلب منك أن تؤمن بأي شيء ولكني ببساطة أحكي لك ماأؤمن به . ليس لدي فكرة عن كيف ستكون الحياة ألآخرة فكل مارأيته رأيته وانا بقرب باب الدخول للعالم ألآخر . ولكن مارأيته كان كافيا لأقناعي اقناعا تاما بشيئين , اولا: وعينا/ادراكنا/شعورنا بذاتنا لن يموت بموت بدننا بل بالعكس فان وعينا سيكون أشد صفاء و قوة وشحذا ثانيا: الكيفية التي نقضي بها عمرنا في هذه الارض,هي شيء اشد أهمية مما نعلم .)
ماقاله الطبيب رتشي كرره كثيرون آخرون مروا بتلك التجربة حيث قال بعضهم ان وعينا في هذه الدنيا هو بمثابة من ينظر للأشياء من خلال حجاب مقارنة مع وعيهم الحاد و الصافي من اي غشاوة خلال تجربة اقترابهم من الموت . في كتاب "الرحلة للدار " يقول الكاتب في اسفل صفحة 116 علي لسان جانيس كاميروان , وهي سيدة من ولاية منسوتا الامريكية واصفة حالها خلال تجربة اقترابها من الموت (لقد كان بصري حينها أشد حدة وسمعي كان اوضح , وشعوري بعلاقة الاشياء ببعضها البعض كان في غاية الوضوح و الشفافية) , هذه الاوصاف تتطابق تماما مع الآية الكريمة رقم 22 من سورة ق التي تصف وعي الانسان بذاته في لحظة موته ولحظة بعثه( لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حديد).
صدق الله العظيم.
حسين عبدالجليل
husseomabdelgalil@gmail.com
لنبدأ اولا بتعريف ماهي تجربة الاقتراب من الموت , أو مايسميها الغربيون Near Death Experience NDE. انقل التعريف أدناه من مقال سابق لي بالراكوبة بعنوان ( مقاربة إسلامية لظاهرة : "تجربة الإقتراب من الموت" )
https://www.alrakoba.net/articles-ac...w-id-10967.htm
(….تعريف هذه الظاهرة باختصار هو أن بعض المرضي الذين تتوقف قلوبهم عن الخفقان – لعدة دقائق - نتيجة لسكتة قلبية او سكتة دماغية - عندما يعودون للوعي بعد موتهم السريري و اقترابهم الشديد من الموت فان بعضهم يحكي عن وقائع غريبة حصلت لهم – في عالم غير عالمنا هذا – خلال الفترة التي سجل الاطباء فيها توقف قلوبهم او أدمغتهم عن الحياة .
هنالك قاسم مشترك في كثير من الوقائع التي يرويها أؤلائك الذين مروا بهذه التجربة بغض النظر عن جنسياتهم او خلفياتهم الدينية أو التعليمية أو الثقافية و يشمل ذلك مايلي:
1- شعور المريض بانه قد خرج من جسده حيث ينظر لجسده المسجى من مكان
أعلى و يري و يسمع الاطباء الذين يلتفون حول الجسد .
2- شعور المريض بانه قد مات ولكنه يدهش لتوقد ذهنه و وعيه الشديد بما حوله و
وضوح الرؤيا لديه لدرجة تفوق ماكان عليه خلال حياته .
3- مروره بعد ذلك بنفق نوراني ضيق .
4- مشاهدته وتواصله مع بعض من مات من أقرباؤه .
5- مقابلته لكائن أو كائنات نورانية ( هنا يفسر كل مريض هذا الكائن أو الكائنات – التي لم تخبرهم من هي - حسب أعتقادهم الديني فبعض المسيحيين يرون فيها السيد المسيح و آخرون يفسرونها بانها ملائكة- أشباح- ملاك حارس ....الخ – في كتاب قرأته لمسلمة شيعية كندية مرت بتلك التجربة كان تفسيرها لتلك الكائنات النورانية بانهم هم الائمة – آل البيت) .
6- يقوم كائن نوراني بعرض كل أعمال المتوفي عليه و هناك ينتفي الاحساس بالوقت حيث تعرض للمرء – في شكل شريط سينمائي - كل أعماله الدنيوية بتفصيل شديد و يري ويحس أثر عمله ( ان كان صالحا أو طالحا) علي الاخرين . يتم التاكيد و التشديد على أهمية العمل الصالح و أن كل عمل يفعله المرء مهما كان تافها فانه يسجل و يعرض عليه .
7- يتم اخبار المريض بان ساعة وفاته الحقيقية لم تحن بعد لذا فعليه العودة لجسده
هنا يذكر كثير ممن خاضوا تلك التجربة بانهم كانوا يقاومون العودة و يفضلون البقاء
في الجانب الآخر حيث كانوا يشعرون بسعادة لاتوصف .
8- يعاود القلب أو الدماغ المتعطل العمل – يعود الوعي للمريض .
9- ينتفي الخوف من الموت تماما عند من مروا بتلك التجربة حيث انهم يصبحون موقنيين تماما بان الموت ماهو الا بداية لمرحلة أخري من الوجود .
يواجه كل من مر بتجربة الاقتراب من الموت مأزق غريب . فكلهم بالتقريب يعبرون بضروب شتي عن عدم مقدرتهم علي التعبير لغويا عما شاهدوه وحضروه في ذلك العالم الغيبي , وجدت أن الصوفي يشاركهم في تلك الحيرة . حيرة كيف توصف عالم الملكوت اللامتناهي باللغة المكبلة بالحروف و بالقواعد؟
العارف بالله المتصوف محمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري يوصف مأزق اللغة ذات الحروف في التعبير عما تراه النفوس في عالم الملكوت بعبارته الشاعرية , التي احتفي بها كثيرا ادونيس وحيرانه من شعراء الحداثة , الا وهي قول النفري (كلما أتسعت الرؤية ضاقت العِبارة).
أيضا يقول اصحاب تلك التجربة بأنهم بعد عودتهم لعالمنا هذا اصبحوا يرون الخالق في كل شيئ , فقد أستمعت لأحدهم في يوتيوب بعد أن حكي تجربته قال: (الآن عندما أنظر لأي شخص فانا أري انعكاس المقدس فيه) , تلك الاقوال تتطابق تماما مع ماقاله ابن عطاء الله السكندري , في حكمه العطائية ( من عرف الحق شهده في كل شي) و ماقاله الحلاج :
ولا هممت بشرب الماء من عطش ** إلا رَأَيْتُ خيالاً منك في الكـــأس
يحكي كثير من مروا بتلك التجربة بأنهم خلال تلك اللحظات أصبحوا فجاة وخلال مدة الجربة علي دراية تامة بكم هائل من المعلومات , ففي كتابه "الرحلة للدار Journey Home يقول الكاتب فيليب بيرمان Phillip L. Berman علي لسان فيليس أتوتر في صفحة 117 (في تلك الحالة كنت علي علم تام بكل كلمة تكلمتها في حياتي , بكل فعل فعلته , بكل تأثير نتج عن قولي , فعلي , أو تفكيري علي كل من كان حولي آنذاك , حتي علي المارة في الشارع). نفس الشيئ يقوله الشيخ عبدالقادر الجيلاني في قصيدته "الوسيلة" عن كيف مكنته لحظة حضرة و قرب من الله من أن يعلم , في حالة الحضرة تلك , يعلم عدد نبت الارض و عدد حبيبات الرمل في الارض كلها:
وَقَفْتُ بِبَابِ اللهِ وَحْدِي مُوَحِّدَاً ***وَنُودِيتُ يَا جِيلاَنِيَ ادْخُلْ لِحَضْرتِي
وَنُوديتُ يَا جِيلاَنِيَ ادْخُلْ وَلا تَخفْ *** عُطيتُ اللوا مِنْ قَبْلِ أَهْلِ الحَقِيقَةِ
ذِرَاعِيَ مِنْ فَوْقِ السَّمَواتِ كُلَّهَا*** وَمِنْ تَحْتِ بَطْنِ الحُوتِ أَمْدَدْتُ رَاحَتي
وَأَعْلَمُ نَبْتَ الأَرضِ كَمْ هُوَ نَبْتَةٌ *** وَأَعْلَمُ رَمْلَ الأَرْضِ عَدَّاً لِرَمْلَةِ
أختم حديثي بالقول بأن تجارب الاقتراب من الموت والكشف الصوفي هي تجارب ذاتية , بل هي تجارب موغلة في الذاتية لايستوعبها الا من عاشها , ومايصلنا منها هو محاولة لوصف مالايوصف . يمكننا أخذ العبرة من هذه التجارب ونحن نعيش حياتنا اليومية في غفلة .واختم قولي بما أورده الطبيب الامريكي جورج رتشي في كتابه "العودة من الغد" , فبعد ان حكي تجربة اقترابه من الموت و ماشاهده هناك قال موجها حديثه لعزيزه القارئ :
( أنا لاأطلب منك أن تؤمن بأي شيء ولكني ببساطة أحكي لك ماأؤمن به . ليس لدي فكرة عن كيف ستكون الحياة ألآخرة فكل مارأيته رأيته وانا بقرب باب الدخول للعالم ألآخر . ولكن مارأيته كان كافيا لأقناعي اقناعا تاما بشيئين , اولا: وعينا/ادراكنا/شعورنا بذاتنا لن يموت بموت بدننا بل بالعكس فان وعينا سيكون أشد صفاء و قوة وشحذا ثانيا: الكيفية التي نقضي بها عمرنا في هذه الارض,هي شيء اشد أهمية مما نعلم .)
ماقاله الطبيب رتشي كرره كثيرون آخرون مروا بتلك التجربة حيث قال بعضهم ان وعينا في هذه الدنيا هو بمثابة من ينظر للأشياء من خلال حجاب مقارنة مع وعيهم الحاد و الصافي من اي غشاوة خلال تجربة اقترابهم من الموت . في كتاب "الرحلة للدار " يقول الكاتب في اسفل صفحة 116 علي لسان جانيس كاميروان , وهي سيدة من ولاية منسوتا الامريكية واصفة حالها خلال تجربة اقترابها من الموت (لقد كان بصري حينها أشد حدة وسمعي كان اوضح , وشعوري بعلاقة الاشياء ببعضها البعض كان في غاية الوضوح و الشفافية) , هذه الاوصاف تتطابق تماما مع الآية الكريمة رقم 22 من سورة ق التي تصف وعي الانسان بذاته في لحظة موته ولحظة بعثه( لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حديد).
صدق الله العظيم.
حسين عبدالجليل
husseomabdelgalil@gmail.com
Comments