المصطلح القراني: سنة الله
المصطلح القراني: سنة الله
حسين
عبدالجليل
في
القرآن الكريم آيات عدة تكرر ذكر مصطح
"سنة
الله". فماهي
سنن الله ؟ وهل هي تخص المؤمنيين فقط أم
عامة البشر؟ أم أن هناك
سنن تخص عامة البشر مسلمهم وكافرهم ,
وهناك
سنن خاصة بالمؤمنيين فقط؟ هذا المقال
محاولة لفهم ذلك , عن
طريق التفكر في بعض الآيات القرآنية التي
تتحدث مباشرة
أو ضمنيا عن تلك السنن
.
فهمي
ل "سنة
الله" المذكورة
في الآيتين
الكريمتين:
(اسْتِكْبَارًا
فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ
وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ
إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ
إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن
تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ
وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا
-
فاطر
43
)
, (سُنَّةَ
اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ
ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ
تَبْدِيلًا -الفتح
23
)
هو
أشارة
لمجموع
القوانين الاجتماعية و الاقتصادية
(ماأكتشف
منها ومالم يكتشف بعد)
التي
تحكم حياة البشر و مجتماعتهم في هذه الدنيا
. بمعني
أنها القوانين التي تسري علي الجميع ,
مسلمهم
وكافرهم , و
التي بموجبها تتقدم أو تتدهور وتنهار
المجتمعات البشرية الحضرية (أهل
القري بالتعبير القرآني ).
في
أعتقادي أن من أسباب تخلف المسلمين في
عصرنا الحاضر هو فهم معظمهم الخاطئ لكون
أن سنن الله المذكورة بالقرآن الكريم
خاصة تلك التي تعني بتقدم و رفعة أو أنهيار
المجتمعات الحضرية لا
تسري علي المسلمين كما تسري علي غيرهم
من المشركين
, البوذيين
والملاحدة ….الخ
. وهذا
الفهم خاطيء لكون الله
سبحانه
و تعالي
(ليس
بظلام للعبيد) . فالمجتمع
الذي ينشد التقدم والازدهار في هذه الدنيا
عليه اتباع سنن – قوانين الله التي حددها
لبلوغ ذلك , ومن
لايفعل ذلك فلايلومن الا نفسه.
أحيانا
يذكر القرآني بعض تلك السنن (القوانين)
بطريقة
مباشرة كقوله تعالي في
آيتين مختلفتين من القرآن الكريم:
(إِنَّ
اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى
يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ--الرعد:11)
و
﴿ذَلِكَ
بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً
نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ
حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
-الأنفال:
53
) فهنا
قانون واضح يعني
أن الرغبة
وفعل التغيير
للأفضل أو
للأسوأ
للمجتمعات
البشرية
يجب
أن ينبعث اولا من داخل تلك المجتمعات ومن
ثم يعينهم الله علي فعلهم
ذاك
.
أول
الصفات التي تؤدي لتخلف و انهيار المجتمعات
(القري
بالتعبير القرآني) هي
تفشي الظلم فيها
. مع
ادراكي التام بأن اعظم ظلم هو الشرك بالله
والذي يصف الله فاعله بأنه ظلم لنفسه
, الا
أنني هنا أتحدث عن ظلم الانسان القوي
لأخيه الانسان الأضعف منه ,
وقد
أدرك كثير من المفكرين المسلمين القدماء
هذا الأمر
بوضوح شديد بينما غاب ذلك تماما عن مايكتبه
دعاة
مايسمي
بالصحوة
الاسلامية في عصرنا هذا .
فها
هو ابن
تيمية في فتاوية (مجلد
28 صفحة
63) يقول:
(فَإِنَّ
النَّاسَ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّ
عَاقِبَةَ الظُّلْمِ وَخِيمَةٌ وَعَاقِبَةُ
الْعَدْلِ كَرِيمَةٌ وَلِهَذَا يُرْوَى
: اللَّهُ
يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ
وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلَا يَنْصُرُ
الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ
مُؤْمِنَةً). اما
ابن خلدون فقد أفرد فصلا كاملا في مقدمته
, وهو
الفصل الثالث والاربعون ,
بعنوان
"في
أن الظلم مؤذن بخراب العمران"
وفيه
يقول (….و
كل من أخذ ملك أحد أو غصبه في عمله أو طالبه
بغير حق أو فرض عليه حقا لم يفرضه الشرع
فقد ظلمه فجباة الأموال بغير حقها ظلمة
و المعتدون عليها ظلمة و المنتهبون لها
ظلمة و المانعون لحقوق الناس ظلمة و خصاب
الأملاك على العموم ظلمة و وبال ذلك كله
عائد على الدولة بخراب العمران الذي هو
مادتها لإذهابه الآمال من أهله و اعلم أن
هذه هي الحكمة المقصودة للشارع في تحريم
الظلم و هو ما ينشأ عنه من فساد العمران
و خرابه و ذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري
و هي الحكمة العامة المراعية للشرع في
جميع مقاصده الضرورية الخمسة من حفظ الدين
و النفس و العقل و النسل و المال….)
(
وَلَوْلا
دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ
بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ
اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ
-البقرة
251
)
قانون
التدافع هذا والذي يسري علي الجميع "الناس"
واضح
للعيان ,
فتأثيره
في المجتمعات نراه
كل يوم في نشرات الأخبار.
فلولا
حدوث بعض التدافع بين الدول المتقدمة
(امريكا
,
الصين
,
الاتحاد
الاوربي ,
روسيا
...الخ)
لانفردت
أحداهن بالعالم و"فسدت
الارض"
ونري
أيضا
أثر
التدافع
في الميدان التجاري فالتنافس بين الباعة
هو لصالح المشتري ..و
هكذا يسري
قانون التدافع الآلهي لخير الناس كلهم .
(يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا *
يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
عَظِيمًا –
الاحزاب 70
)
هذه
الآية الكريمة تتحدث عن سنة من سنن الله
,
يختلط
فيها الدنيوي بالاخروي ,
وهي
موجهة
للمؤمنين لكون الاية تخاطبهم
"ياأيها
الذين آمنو"
. لب
هذا القانون الألهي هو أن من يجعل القول
السديد (و
هو القول الموافق للصواب – الكلام الحقاني
بعاميتنا السودانية)
منهجه
في الحياة فان ذلك الفعل من جانبه يؤدي
لأن يصلح الله اعماله الدنيوية ويغفر له
ذنوبه (يصلح
له أعماله الاخروية)
. هذا
الفهم لاهمية القول السديد تؤكده آيات
عدة في القرآن الكريم منها قوله تعالي
{وَقُلْ
لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ}
[الإسراء:
من
الآية53].
و
{وَقُولُوا
لِلنَّاسِ حُسْناً}
[البقرة:
من
الآية83].)
و
"الناس"
هنا
تعني كل البشر مؤمنهم و كافرهم .
والآية
التالية تفصل في بعض أنواع هذا القول
السديد:
(لا
خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ
إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ
مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ
مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ
أَجْرًا عَظِيمًا -
النساء
114)
,
أي
أن القول الذي لايؤدي لفعل الخيرات لايعول
عليه!
Comments