فهم مغاير لقوله تعالي : "منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات "

 

فهم مغاير لقوله تعالي : "منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات " .. بقلم: حسين عبدالجليل

منذ زمن طويل إنشغلت بمحاولة فهم اﻵية الكريمة  "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا ألو    الألباب 


لم تشف كتب التفسير المتدوالة غليلي لفهم الآية و تحديد الآيات المحكمات ، ودوما ما كنت أسأل نفسي : "هل بعض آيات القرآن اكثر أهمية من البعض أﻵخر؟ " وهل فهم ذلك هو المفتاح للفهم الصحيح للقرآن الكريم ؟ .

قادني البحث لمحاولة فهم اﻵية الكريمة لكتاب ابي حامد الغزالي "جواهر القرآن ودرره" وهو كتيب صغير الحجم كبير اﻷهمية يقول عنه صاحب الوكبيديا  
 جواهر القرآن ودرره ، كتاب للإمام أبو حامد الغزالي ، يبيّن فيه أسرار القرآن ومقاصده . والكتاب لا يعتبر تفسيرا للقرآن ، بل هو شرح لعلوم القرآن ، وبيان تفضيل بعض آي القرآن على بعض ، وسرد ما سماه الغزالي بجواهر القرآن ، ثم سرد ما سماه دُرر القرآن  
    
الفصل الحادي عشرمن الكتاب بعنون: "في كيف يفضل بعض آيات القرآن على بعض مع أن الكل كلام ﷲ تعالى" و فيه يقول الغزالي  

  لعلك تقول قد توجه قصدك في هذه التنبيهات الى تفضيل بعض القرآن على بعض والكل قول ا تعالى فكيف يفارق بعضها بعضا وكيف يكون بعضها أشرف من بعض فاعلم أن نور البصيرة ان كان لا يرشدك الى الفرق بين آية الكرسي وآية المداينات وبين سورة الإخلاص وسورة تبت وترتاع من اعتقاد الفرق نفسك الجوارة المستغرقة بالتقليد فقلد صاحب الرسالة صلوات اﷲ وسلامه عليه . فهو الذي أنزل عليه القرآن وقد دلت الأخبار على شرف بعض الآيات وعلى تضعيف الأجر في بعض السور المنزلة....." .

إنتهي النقل من كتاب الغزالي ، و يمكن تنزيل الكتاب كاملا من النت  

 هو الذي  أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا ألو الألباب 
مفتاح فهم الآية الكريمة أعلأه هو معرفة معني "المتشابه" التي وردت في في موضع آخر من القرآن الكريم عند مخاطبة قوم موسي له " إن البقر تشابه علينا " وقد ورد الشرح التالي في تفسير البغوي لقول قوم موسي:" أي جنس البقر تشابه أي التبس أمره علينا فلا نهتدي اليه"



:من الاية الكريمة أعلاه وبلا تعسف يمكننا أن نستنتج التالي  

هنالك أيات أساسية/محورية في القرآن تعالج مفاهيم هامة للبشر (كحرية العقيدة و الحرب والسلم   مثلا) هذه الآيات هي مايجب إتباعه بعد عهد النبوة وأبد الدهر.
نفس هذه المفاهيم ، تتطرق لها او لجوانب منها آيات أخرى استثنائية  فرضها ظرفي المكان والزمان المؤقتين/ الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي في عهد الرسول عليه افضل الصلاة و السلام ، (كبعض آيات سورتي التوبة و الأنفال مثلا  وكان ذلك العهد الإستثنائي هو عهد تأسيس ودفاع عن الاسلام من اعداء محيطين به ، يريدون إقتلاعه من جذوره وقد تطلب الامر آنذاك عملا مؤقتا استثنائيا أشبه مايكون بفرض الدول الديمقراطية ، في عصرنا هذا ، لحالة طوارئ و تعطيل مؤقت لبعض مواد الدستوربغرض مواجهة الخطر الوجودي الذي يتهددها .
3- سيتم الخلط والالتباس  بين 1 و 2 أعلاه ، اي بين تعامل آيات أم الكتاب مع حرية العقيدة و الحرب  والسلم وتعامل المتشابه الذي هو إستثناء معها ، سيتم ذلك الخلط من قِبل الذين في " قلوبهم زيغ" و سيتم ذلك بالتأكيد بعد عصر النبوة حيث لاالتباس في فهم اي أية في وجود المصطفي عليه أفضل الصلاة والسلام  ولكن بعد عهد النبوة سيقوم الذين في قلوبهم زيغ " فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ". أي سيتبع هؤلاء الذين في قلوبهم ميل عن الحق سيتبعون الاستثناء (المتشابه) بدلا من اتباع  أيات أم الكتاب التي تدعو لحرية العقيدة (لكم دينكم ولي دين) و الجدال بالتي هي أحسن ، العفو ، والصبر الجميل.


   لمن يظن أن فهمي هذا هو فهم إعتذاري خاطئ وأن الفهم الصحيح هو الفهم السلفي الذي بموجبه نسخت سورة التوبة أكثر من 100 آية من ام الكتاب تدعو لحرية العقيدة في الإسلام ، أقول: بالله عليك تدبر الآية الكريمة التالية من سورة التوبة : ( ياأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ) .
هل فعل ألآمر "قاتلوا" في الآية أعلاه هو أمر لكل المسلمين في كل زمان ومكان تماما مثل فعل  ألأمر "أقيموا" في ألآية الكريمة (وأقيموا الصلاة و آتوا الزكاة) ؟ أم أن الامر بالقتال فقط مقصود به قتال ضد  الكفار في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلأدي ، فقط ؟

الفهم المغاير يقول بأن تلك الآية إستثناء زماني مكاني فرضته الحالة الإستثنائية والتي هي أشبه بحالة الطوارئ التي تعطل فيها الدول الديمقراطية الحريات العامة مؤقتا .

 لمن يظن أن في في فهمي أعلاه مسحة من الفكرة الجمهورية التي نادي بها ألآستاذ محمود محمد طه ، أقول بأن أطروحة الفكرة الجمهورية الرئيسية هي أن للقرآن أيات أصول مكية  و ايات فروع مدنية وأن للإسلام رسالة أولى يعتمد تشريعها علي آيات الفروع المدنية و هنالك رسالة ثانية بعثها محمود في القرن العشرين تعتمد شريعتها علي آيات الاسماح المدنية .  لكن ماأقوله هنا هو أن الآيات المحكمات فيها آيات مدنية كثيرة ، بل أن ألاية التي هي لب هذا البحث هي آية مدنية نزلت في سورة البقرة المدنية  

و أزد علي ذلك بأن الآيات القرآنية التي توضح بلا اي مواربة بأن عقوبة الارتداد عن الاسلام هي عقوبة في ألآخرة فقط (ولم تحدد أي حد للردة) هي كلها تقريبا آيات مدنية منها 

  ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك  أصحاب النار هم فيها خالدون -  البقرة: 217  

 ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا  - النساء: 137 

 يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ..-المائدة  54  

 وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين -ال عمران  144 

 ان الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون- آل عمران  90 

 لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي- البقرة  256 

" من يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل - البقرة : 108 

لذا فلا أعتقد بأننا بحاجة لرسالة ثانية لنفهم أن ديننا هو دين حرية أعتقاد وعفو وجدال بالتي هي أحسن وأن كل شيء غير ذلك  استثناء فرضته الحالة الإستثنائية لدولة المدينة  والتي  كانت  أشبه  ماتكون بحالة الطوارئ التي تعطل فيها الدول الديمقراطية مؤقتا بعض بنود دستورها الضامنة للحريات العامة .

Comments

Popular posts from this blog

كيف أفهمني هرم أبراهام ماسلو للأحتياجات الانسانية سورة قريش!

فهم مغاير لمعني كلمة "هيت" في الآية الكريمة: "و قالت هيت لك" .. بقلم: حسين عبدالجليل